الكيمياء الخضراء للصناعات الدوائية المستدامة - دليل الوطن

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الكيمياء الخضراء للصناعات الدوائية المستدامة - دليل الوطن, اليوم الأربعاء 30 أبريل 2025 10:21 مساءً

تشهد الصناعات الدوائية تحولات جذرية في ظل الاهتمام العالمي المتزايد بالاستدامة البيئية وتقليل الأثر السلبي للعمليات الصناعية على البيئة. ومن هنا برزت الكيمياء الخضراء كمفهوم ثوري يهدف إلى إعادة تصميم عمليات الإنتاج لتصبح أكثر أمانا وصديقة للبيئة، مع الحفاظ على جودة المنتجات وكفاءة الإنتاج. في هذا المقال عزيزي القارئ، نستعرض الابتكارات والتطبيقات العملية للكيمياء الخضراء في الصناعات الدوائية وكيفية تحقيق الاستدامة عبر تقليل النفايات واستهلاك المواد الضارة.

تُعرَّف الكيمياء الخضراء بأنها مجموعة من المبادئ والتقنيات التي تسعى لتقليل أو القضاء على استخدام وإنتاج المواد الضارة خلال عمليات التصنيع الكيميائي. وتشمل هذه المبادئ استخدام مذيبات بديلة وآمنة، وتصميم تفاعلات كيميائية تتطلب طاقة أقل وتُنتج نفايات أقل، فضلا عن تبني استراتيجيات لإعادة تدوير المواد واستخدام موارد متجددة. هذه المقاربات لم تعد خيارا ثانويا، بل أصبحت ضرورة ملحة في ظل الضغوط البيئية والتشريعات الدولية التي تحث على تقليل الانبعاثات والتخلص من النفايات بشكل آمن.

في الصناعات الدوائية، يقوم تطبيق مبادئ الكيمياء الخضراء دورا حيويا في تحسين مسار تصنيع المركبات الدوائية. ففي ظل العمليات التقليدية، غالبا ما تُستخدم مواد كيميائية ضارة ومذيبات عضوية سامة تؤدي إلى إنتاج نفايات خطرة يصعب معالجتها. أما الابتكارات الحديثة فتتضمن استبدال هذه المواد ببدائل أكثر أمانا وقابلة للتحلل، مما يساعد على تقليل المخاطر الصحية وحماية البيئة. على سبيل المثال، بدأ الباحثون في استخدام المذيبات الحيوية والمذيبات القائمة على المياه كبدائل للمذيبات العضوية التقليدية، ما يقلل من انبعاث المواد العضوية المتطايرة ويحسن من كفاءة العملية الإنتاجية.

لا يقتصر الابتكار في الكيمياء الخضراء على تطوير العمليات فقط، بل يمتد ليشمل تصميم المنتجات الدوائية نفسها. ففي ظل التحديات البيئية المتزايدة، أصبح من الضروري تطوير منتجات تكون سهلة التحلل أو قابلة لإعادة التدوير.

وهنا يأتي دور التصميم البيئي الذي يأخذ في الحسبان دورة حياة المنتج من التصنيع وحتى التخلص منه، ما يقلل من النفايات الناتجة عن عبوات الأدوية والمواد المساعدة المستخدمة في عمليات التعبئة والتغليف. تعتمد بعض الشركات الدوائية على استخدام مواد تعبئة صديقة للبيئة تعتمد على موارد متجددة، مما يسهم في تقليل النفايات الصلبة وتقليل البصمة الكربونية.

كما أن استخدام النمذجة الرياضية والتحليل الحاسوبي في تصميم التفاعلات الكيميائية يعتبر من الابتكارات المهمة في مجال الكيمياء الخضراء. فهذه الأدوات التقنية تساعد العلماء على محاكاة التفاعلات في بيئة افتراضية لتحديد أفضل الظروف التي تحقق التفاعل المطلوب مع أقل كمية من النفايات. وتساهم هذه النماذج في تحسين استهلاك المواد والطاقة، مما يؤدي إلى تقليل التكاليف التشغيلية على المدى الطويل وتحقيق وفورات اقتصادية ملحوظة، بجانب الفوائد البيئية الواضحة.

ومن الناحية البيئية، يعد تقليل النفايات والانبعاثات الضارة من أهم الأهداف التي يسعى لتحقيقها تطبيق مبادئ الكيمياء الخضراء. إذ إن تقليل النفايات لا يقتصر على تحسين جودة البيئة المحيطة فحسب، بل يؤثر أيضا إيجابيا على صحة العاملين في المصانع والمختبرات، ويساهم في الحد من المخاطر الصحية المرتبطة بالتعرض للمواد الكيميائية الضارة. كما أن تقليل استهلاك الطاقة والمياه في عمليات التصنيع ينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الموارد الطبيعية والتشديد على المعايير البيئية في الأسواق العالمية.

تواجه الصناعات الدوائية تحديات كبيرة في مجال البحث والتطوير، إذ يتطلب الانتقال إلى تقنيات صديقة للبيئة استثمارات أولية ضخمة في البنية التحتية والتقنيات الحديثة. ومع ذلك، فإن الفوائد المستقبلية لهذه الاستثمارات تفوق التكاليف الأولية؛ فهي تساهم في تحسين صورة الشركات الدوائية كمؤسسات مسؤولة اجتماعيا وبيئيا، وتفتح آفاقا للتعاون مع الجهات الحكومية والمؤسسات الدولية المعنية بحماية البيئة. كما أن التوجه نحو التصنيع المستدام يعزز من القدرة التنافسية لهذه الشركات في الأسواق العالمية التي أصبحت تضع معايير بيئية صارمة كشرط أساسي للمشاركة.

وفي ظل الوعي المتزايد بالقضايا البيئية وتزايد الضغوط التنظيمية، أصبح من الضروري على شركات الأدوية تبني نموذج عمل متكامل يجمع بين الابتكار التقني والحفاظ على البيئة. وهذا النموذج يتطلب تنسيقا بين مختلف القطاعات داخل الشركة؛ من البحث والتطوير إلى الإنتاج والتوزيع، لضمان تحقيق أقصى درجات الكفاءة والاستدامة. كذلك، يتوجب على المؤسسات التعليمية ومراكز البحث العلمي تكثيف الجهود لتدريب الكوادر البشرية على استخدام التقنيات الحديثة في الكيمياء الخضراء وتطبيق مبادئها في الميدان العملي.

nabilalhakamy@

0 تعليق