سباق التسلح.. أرقام قياسية ومخاطر تهدد البشرية - دليل الوطن

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سباق التسلح.. أرقام قياسية ومخاطر تهدد البشرية - دليل الوطن, اليوم الأربعاء 23 أبريل 2025 09:41 مساءً

د.أيمن سمير

تعيش البشرية في مفترق طرق في ظل تكديس كميات ونوعيات غير مسبوقة من الأسلحة والذخيرة التقليدية والنووية في كافة أقاليم العالم بداية من شمال وشرق أوروبا، ومروراً بالبحر الأسود ومنطقة الشرق الأوسط، وصولاً إلى آسيا الوسطى وجنوب القوقاز وشرق آسيا ومناطق الإندو-باسيفك، ووفق حسابات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فقد بلغ الإنفاق الدفاعي العالمي عام 2024 نحو 2.46 تريليون دولار أمريكي بعد أن كان نحو 2.24 تريليون دولار عام 2023، وفي عام 2022 كانت نسبة الإنفاق على الشؤون الدفاعية 1.59 % من الناتج الإجمالي العالمي، وزادت هذه النسبة إلى 1.80 % عام 2023، وإلى نحو 1.94 % عام 2024، وقد تصل النسبة إلى 2 % من الناتج العالمي بنهاية هذا العام الجاري.
لا تتعلق الخطورة فقط بكمية وكُلفة هذه الأسلحة والذخيرة بل باختراع أنواع جديدة من الصواريخ والطائرات العسكرية ذات القدرات التدميرية غير المسبوقة مثل الصاروخ الروسي «أوريشنيك»، أو«البندق»، وهو صاروخ أسرع من الصوت، ومن المستحيل اعتراضه في ظل الدفاعات الجوية الحالية، ويتعلق نفس الأمر بصواريخ شديدة الخطوة في الترسانة الأمريكية مثل النسخة الجديدة من صواريخ «توما هوك» وأتاكمز، وتتنافس الولايات المتحدة والصين على إنتاج طائرات الجيل السادس مثل طائرة «إف 47» التي تنتجها شركة بوينج الأمريكية، والمقاتلات الصينية مثل «إتش 20» و«جي36»، ويأتي كل ذلك في ظل عدم اليقين بمستقبل الاقتصاد العالمي، والشكوك حول قدرة الاقتصاديات الكبيرة على تجاوز حالة التباطؤ وعدم الانزلاق إلى طبقات الركود المختلفة، ويترافق هذا أيضاً مع ارتفاع التضخم في غالبية دول العالم، وعجز الكثير من الدول عن تقديم المساعدات الاجتماعية والصحية التي كانت تقدمها لمواطنيها في سنوات سابقة.
وهناك أكثر من تفسير وراء ظاهرة «سباق التسلح وشراء الذخيرة» التي تعصف بالجميع في الوقت الحالي، فالفريق الأول يرى في تكديس وتخزين السلاح والذخيرة بأنه يشبه المشهد الذي كان عليه العالم ليلة اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأنه لا بد من التخلص من جزء من تلك الأسلحة عبر الدخول في سلسة جديدة من الحروب سواء كانت حروباً ثنائية أو إقليمية أو حتى عالمية، إلا أن فريقاً آخر يرى أن ما جرى من خسائر ضخمة للجميع في الحرب الروسية الأوكرانية، والثمن الباهظ الذي دفعتــه دول الشرق الأوسط خلال سنوات الحروب الماضية والحالية تجعل التفكير في مغامرات عسكرية جديدة أمراً يصعب تكراره، وأن الخوف من اندلاع الحروب، والرغبة في تحقيق «ردع دون حرب» يظل هو الدافع الرئيسي وراء المشتريـــات الضخمـــة من السلاح والذخيرة، وهو الأمر الذي دفع بعض شركات السلاح العملاقة مثل لوكهيد مارتن وريثنون تكنولوجيز للعمل على مدار الساعة، وطوال أيام الأسبوع دون أي عطلات فـــي ظل الطلب المرتفع على كافة أنواع السلاح والذخيرة، وبالفعل تم حجز جميع منتجات خطــــوط الإنتــــاج التي تملكهـــا تلك الشركات وغيرها حتى عام 2030، فما هي الأسباب الأخرى التي عززت شهية العالم لشراء مزيد من السلاح والذخيرة ؟ وإلى أي مدى يمكن أن يكون شراء السلاح حافزاً على اندلاع مزيد من الحروب والصراعات الجديدة ؟

الاستثمار في الاستقرار


يتبنى البعض وخاصة في أوروبا نظرية تقول إن «أفضل طريقة لمنع الحرب هو الاستعداد للحرب»، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تتصدر الإنفاق العالمي على الشؤون الدفاعية بمبلغ 968 مليار دولار سنوياً تنظر للإنفاق العسكري الذي يصل لنحو 3.7 % من الناتج القومي الأمريكي البالغ 27 تريليون دولار باعتباره «استثماراً في الاستقرار»، وأن الحفاظ على القوة والهيمنة العسكرية الأمريكية هو بمثابة «استثمار في استقرار العالم» لأن هذا الإنفاق العسكري هو ضرورة من أجل ردع الخصوم والأعداء، وفي نفس الوقت حماية للحلفاء والأصدقاء.
تحليل أرقام الإنفاق العسكري يؤكد أن الصين تأتي في المرتبة الثانية بإنفاق بنحو 235 مليار دولار في العام الماضي بعد الولايات المتحدة، ويعود ذلك إلى قضايا سياسية حيوية تتعلق بالأمن القومي الصيني مثل رفض الصين انفصال تايوان عن الأراضي الصينية، وخلافات بكين على السيادة في بحر الصين الجنوبي مع ماليزيا وإندونيسيا وفيتنام والفلبين وبروناي، والخلاف على جزر سينكاكاو مع اليابان، والخلافات الصينية الهندية على منطقة لاداخ التابعة لولاية جامو وكشمير، بينما تأتي روسيا في المرتبة الثالثة في الإنفاق العسكري بنحو 145.9 مليار دولار بعد دخول روسيا في حرب مع أوكرانيا في 24 فبراير 2022، والخوف أن تتوسع الحرب إلى دول أخرى في حلف دول شمال الأطلسي «الناتو» خلال السنوات الأربع القادمة وفق التقديرات الألمانية التي دفعت برلين لإنفاق نحو 86 مليار دولار في العام الماضي، وجاءت بعدها المملكة المتحدة بإنفاق عسكري تجاوز نحو 82 مليار دولار، كما أن دولاً مثل الهند رفعت إنفاقها العسكري لنحو 75 مليار دولار، وفرنسا إلى 65 مليار دولار، واليابان 53 مليار دولار، بينما تنفق كوريا الجنوبية على الشؤون الدفاعية نحو 44 مليار دولار سنوياً، وهو ما يعني أن الإنفاق الدفاعي العالمي زاد في عام 2024 بنحو 7.4 %، وهي زيادة قياسية وغير مسبوقة في تاريخ البشرية.

الأسباب السبعة


تحليل بيئة المخاطر الدولية التي أدت إلى هذه الزيادة القياسية في الإنفاق العسكرية يكشف عن 7 أسباب رئيسية لهذه الظاهرة وهي:

أولاً:« وهم «السلام الدائم»


وهي نظرية ترددها الدول الأوروبية، فمنذ تفكك الاتحاد السوفييتي السابق في 25 ديسمبر 1991 ألغت غالبية الدول الأوربية «التجنيد الإجباري»، وقلصت عدد جيوشها، وحولت جزءاً من ميزانيتها العسكرية للإنفاق الاجتماعي ودعم الازدهار والرفاهية المجتمعية، لكن بعد سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014، وبدء الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022 تقول الحكومات الأوربية إنه لم يكن أمامها إلا طرق كل الأبواب من أجل شراء السلاح والذخيرة ليس فقط لدى مصانع السلاح الأوروبية والأمريكية بل والذهاب بعيداً إلى دول مثل كوريا الجنوبية واليابان، حيث اشترت بولندا نحو 1000 دبابة « كي 2 بلاك » من كوريا الجنوبية، ويظل عدم الشعور بالأمان، وعدم ديمومة السلام والاستقرار وراء الاستعدادات العسكرية والإنفاق المتنامي على الشؤون العسكرية والدفاعية.

ثانياً: الهراوة الأمريكية


منذ عام 2014 تطالب الولايات المتحدة شركائها في حلف «الناتو» بمزيد من الإنفاق العسكري، لكن هذا الضغط الأمريكي زاد بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حيث أنفق الحلف الذي يضم 32 دولة نحو 1.5 تريليون دولار على الشؤون الدفاعية خلال عام 2024 وهو ما يزيد بنحو 18 % على عام 2023، وتستعد الدول الأوروبية الخمس الأكبر في حلف شمال الأطلسي لإنفاق 2.6 تريليون دولار إضافية حتى 2035، ويتكرر نفس الطلب الأمريكي من شركاء واشنطن العسكريين الآسيويين لإنفاق مزيد من الأموال على شراء السلاح والذخيرة مثل اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام والفلبين وأستراليا.

ثالثاً: البندقية وليس الدبلوماسية


يسود في الوقت الحالي توجه نحو«عسكرة الصراعات» وليس البحث عن حلول سياسية أو دبلوماسية، ويعمل الجميع على تعزيز«أدواته العسكرية» خصوصاً عند الحديث عن صراعات حول تايوان، وبحر الصين الشرقي، وبحر الصين الجنوبي، وكوريا الشمالية، والقطب الشمالي، والبحر الأسود، وبحر البلطيق، والشرق الأوسط، ووصل الأمر إلى عسكرة الفضاء ونشر أسلحة في خارج المدارات الأرضية، فرغم تاريخ الدبلوماسية الطويل في نزع فتيل أزمات دولية إلا أن تراجع ثقة الدول الكبرى في بعضها بعضاً يدفع إلى البحث عن حلول عسكرية وليس دبلوماسية.

رابعاً: ملء الخزانات


عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية كان السائد أنها من أنواع « الحروب السريعة» أو«الخاطفة»، لكن مرور أكثر من 3 سنوات يؤكد أنها حرب طويلة وطويلة جداً، وما لم يتوقعه الكثيرون عن الحرب الروسية الأوكرانية أنها عادت للنمط الكلاسيكي للحروب رغم الاعتماد على أدوات وأسلحة جديدة، ويتمثل النمط الكلاسيكي في الاستخدام الكثيف للجنود والأسلحة، فعلى سبيل المثال لم يتوقع أحد أن تكون هناك حروب دبابات ومدرعات كما شهدته جبهة الحرب الروسية الأوكرانية التي تمتد لنحو 1400 كلم، وهو ما أدى في النهاية لاستهلاك كميات غير مسبوقة من السلاح والذخيرة، وكل هـذا أدى لتفريــــغ مخــــازن السلاح الأوروبية والأمريكية لصالح المجهود الحربي الأوكراني، فالجيش الأوكراني يستهلك نحو 250 ألف قذيفة مدفعية فـــي الشهر الواحد، وهذا أدى لنقص حاد في الذخيرة خصوصاً من نوع 155 مم، فضلاً عن الآلاف من صواريخ ستينجر وجافلين والطائرات المسيّرة، ونتيجة لهذا الاستنزاف تعمل الدول الداعمة عسكرياً لأوكرانيا سواء في آسيا أو أوروبا على تعويض مخازنها من السلاح والذخيرة عن طريق المزيد من الإنفاق الدفاعي، ولهذا بلغت إجمالي إيرادات مبيعات الأسلحة والخدمات العسكرية لأكبر 100 شركة في إنتاج السلاح نحو 600 مليار في عام 2022

خامساً: تحديث الأسلحة النووية

رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي في نهاية الحرب العالمية الثانية ضد اليابان إلا أن العام الماضي شهد زيادة محمومة في إنفاق الدول التسع النووية لتحديث وتطوير الأسلحة النووية في ظل تغيير العديد من الدول لـ«العقيدة النووية» التي تخفف من قيود استخدام السلاح النووي، وتخصص الولايات المتحدة نحو 100 مليار دولار سنوياً لتطوير وتحديث نحو 5000 رأس نووي بحيث تتحول القنابل النووية التقليدية إلى«قنابل تكتيكية» يمكن استخدامها على نطاق ضيق ضد جيوش الأعداء، وزاد إنفاق الدول النووية عام 2024 بنحو 13% بهدف تحديث ما لديها من أسلحة نووية، والدول النووية هي الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وكوريا الشمالية والهند وباكستان، ولا يقتصر الإنفاق على الرؤوس النووية؛ بل على كل ما يتعلق بـ«المثلث النووي»وهي الوسائل التي تحمل الرؤوس النووية سواء من البر أو الجو أو البحر، وعلى سبيل المثال طورت الولايات المتحدة صاروخ « سينتيل» SENTINEL، وهو صاروخ من إنتاج مصانع شركة الصواريخ العملاقة نورثروب جرومان في ولاية يوتا، ويراهن الرئيس ترامب على هذا الصاروخ لتحقيق ردع قوي أمام التقدم الذي تحرزه روسيا والصين في مجال الصواريخ التي تستطيع أن تحمل رؤوساً نووية.

سادساً: انسحاب من الاتفاقيات


أكثر الأسباب التي سمحت بزيادة الإنفاق العسكري دون أي رقيب هو انسحاب روسيا والولايات المتحدة من جميع الاتفاقيات التي كانت تقيد إنتاج ونشر الأسلحة حول العالم خصوصاً ما يتعلق بأوروبا ومنطقة «الإندو-باسيفك»، فكلٌّ من روسيا والولايات المتحدة انسحب من معاهدة « نيوستار» التي تتعلق بالأسلحة الاستراتيجية، كما انسحبت كل من واشنطن وموسكو في أغسطس 2019 من معاهدة «أي إن إف» التي كانت تمنع إنتاج ونشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى في أوروبا، وهو ما سمح للولايات المتحدة في نشر هذه الصواريخ في شرق آسيا، ونفس الأمر يتعلق باتفاقية» السماوات المفتوحة «واتفاقية تقييد نشر الأسلحة التقليدية.

سابعاً: تراجع دور الأمم المتحدة


أدى الانقسام العالمي، ووقوف الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن على طرفي نقيض في كثير من الصراعات، أدى إلى شلل في أداء المؤسسات الأممية وخصوصاً مجلس الأمن الذي عجز عن أداء مهمته الأولى وهي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ولهذا اندلعت الحروب وساد منطق القوة على حساب القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، فكثير من القرارات بما فيها القرارات الصادرة وفق الفصل السابع «أعلى درجات الإلزام» لم تلتزم بها الأطراف المختلفة على مستوى العالم، وهو ما أطلق العنان لكافة الحكومات في مختلف أقاليم العالم للجوء للسلاح للحفاظ على ما تراه حقوقها من جانب، وردع خصومها من جانب آخر.
***
المؤكد أن« تذخير البنادق هو مقدمة لإطلاق النار»، وهو ما يدعو للعودة من جديد لنهج الدبلوماسية والحلول السلمية مع احترام القانون الدولي وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة، لأن بدون ذلك فالجميع خاسرون، فحاجة العالم للمدارس والمستشفيات أكثر بكثير من تصنيع البنادق والذخائر.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق