نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في غزة.. الجوع لا يُقهر - دليل الوطن, اليوم الاثنين 28 أبريل 2025 05:52 مساءً
غزة - أ ف ب
يسرع الطفل الفلسطيني يوسف النجار البالغ من العمر عشر سنوات، حافي القدمين، وحاملاً قِدراً مهترئاً، ليلتحق بطابور مطبخ خيري، أو «التكية»، في مدينة غزة مع بزوغ الفجر، ليجد المئات قد سبقوه.
ويقول الطفل بصوت خافت: «الناس يتزاحمون، ويخافون أن يخسروا دورهم. هناك أطفال صغار بين الأقدام، وأشخاص يسقطون أرضاً؛ بسبب التزاحم، والصراخ يعمّ المكان»،
ويهرع الآلاف من سكان غزة، وبينهم أطفال، إلى المطابخ الخيرية في الساعات الأولى من الصباح يومياً، من أجل تحصيل الطعام لعائلاتهم، بينما حذّر برنامج الغذاء العالمي من أن مخزوناته الغذائية في القطاع نفدت.
وقال المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر بيير كراهنبول، الاثنين، في منتدى في الدوحة، إن «شرارة جحيم جديد» انطلقت مع تجدّد الحرب في قطاع غزة في الثاني من مارس/ آذار الماضي، بعد قرابة ستة أسابيع من هدنة هشة، متحدّثاً عن «موت وإصابات ونزوح متكرر وأطراف مبتورة. وجوع وحرمان من المساعدات والكرامة على نطاق واسع».
وتفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة إلى حدّ كبير، منذ أن أوقفت إسرائيل دخول المساعدات، بعد استئناف الحرب. وبالنسبة الى يوسف النجار الذي قتل والده في الحرب، فإن عبء المسؤولية أُلقي على كاهله، قبل أوانه بكثير.
ويقول: «أبي قُتل، وأنا الكبير بين إخوتي. يعني يجب أن أكون رجلاً».
هو لا يحلم بالألعاب، أو الأمور التي يحبّها الأطفال عادة، بل بشيء بسيط للغاية: أن يجلس مع والدته وأخته على مائدة طعام، ليتناولوا الطعام بسلام، دون خوف من انقطاع الحطب، أو الأرز أو الوقوف في الطوابير الطويلة دون طائل.
من أجل ذلك، يهرول يوسف كل صباح إلى المطبخ الخيري.
«من شدّة الزحام أحياناً يقع القدر من يدي، ويسقط كل الطعام على الأرض، وأعود إلى عائلتي خالي الوفاض.. عندها أشعر بالقهر أكثر».
ووثّقت عدسة فرانس برس مشاهد لتجمهر العشرات من الأطفال حول تكية في مدينة غزة. يتدافعون بأوانيهم في محاولة يائسة للحصول على طعام يسدّون به جوعهم.
في محاولة لدفع الحشد إلى الوراء، يضرب أحدهم صبيّاً عندما يقترب من وعاء مملوء بالأرز الطازج.
وأعلن برنامج الغذاء العالمي، وهو أحد أبرز مقدّمي المساعدات الغذائية في غزة، الجمعة، «من المتوقّع أن تفرغ هذه المطابخ من الطعام تماماً في الأيام القادمة»، مضيفاً أن «التكيّات» هي المصدر الوحيد للمساعدات الغذائية لعشرات الآلاف من الناس في غزة.
«تمنيت لو أموت»
وتقول عايدة أبو ريالة (42 عاماً)، من منطقة النصيرات: «لا يوجد عندي أي كسرة خبزة. لا طعام لعائلتي. لذلك أضطر إلى الذهاب إلى التكية رغم معاناتي في الزحام والصراخ والتصادم. الأعداد كبيرة، وكلّهم جائعون مثلنا. أنتظر مع ابني دورنا في طابور التكية، تحت أشعة الشمس، وقبلها وسط البرد. وأحياناً كثيرة أعود بلا طعام لانتهاء الكمية».
ودُمّر منزل أبو ريالة في غارة جوية. وتعيش الأسرة الآن في خيمة مصنوعة من النايلون. في أحد الأيام، انتظرت عايدة ساعات فتقرحت قدماها من الوقوف، وحين وصلت أخيراً إلى نقطة التوزيع، لم يتبقَّ طعام.
وقالت: «عدت إلى المنزل ويدي فارغتان. أطفالي بكوا... في تلك اللحظة، تمنيت أن أموت بدلاً من رؤيتهم جياعاً».
فاتن المدهون (52 عاماً) طاهية متطوعة تدير مطبخاً خيرياً في بيت لاهيا في شمال غزة. وتطبخ مع 13 متطوعاً ومتطوعة آخرين على نيران الحطب، دون مطابخ ملائمة أو معدات لازمة.
وتقول: «أحيانا نجهّز 500 وجبة، لكن يأتينا أكثر من 600 شخص. الحاجة هائلة، والطعام لا يكفي الجميع. مع كل يوم تبقى فيه المعابر مغلقة، تشتدّ الأزمة أكثر فأكثر».
ومع اختفاء الطحين من الأسواق، وإغلاق المخابز، وتحوّل الخضراوات الأساسية إلى سلع نادرة، أصبحت التكيّات أو المطابخ الخيرية المصدر الوحيد المتبقي للطعام بالنسبة لعشرات الآلاف من الناس.
«نريد أن نعيش بكرامة»
وفي خان يونس في جنوب القطاع، يقول علاء أبو عميرة (28 عاماً) النازح من بيت لاهيا في الشمال: «عندما أصل طابور التكية، تكون الشمس لم تشرق بعد»، مضيفاً: «هنا المواطنون يتزاحمون، وأحياناً تحصل حالات تدافع خطِرة. رأيت طفلاً وقع وجُرح، ولا أحد استطاع أن يساعده من شدة الازدحام. ورأيت أيضاً طفلة وقع عليها طبق الطعام وأحرقها فنقلت إلى المستشفى».
وحين يتمكّن المرء من الحصول على وجبة، غالباً ما تكون باردة، بلا طعم، ومكررة، أي بازلاء وفاصوليا معلبة، وأرز لم ينضج كلياً، كما يقول.
وتابع أبو عميرة: «بطوننا بالكاد تتحمّل، لكن ماذا بوسعنا أن نفعل؟ الجوع يكسر كل شيء».
ورغم المعاناة اليومية، تواظب أبو ريالة على الحضور إلى المطبخ لتأمين الطعام. وتقول: «حتى الطعام أصبح يحتاج إلى حظ. لكن غداً سأحاول أن أصل في وقت مبكر أكثر، لعلّي أحصّل على طبق أرز». ثم تتنهّد قائلة: «نريد فقط أن نعيش بكرامة».
0 تعليق