لماذا خسر الحزب الديمقراطي أمريكا؟ - دليل الوطن

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لماذا خسر الحزب الديمقراطي أمريكا؟ - دليل الوطن, اليوم الثلاثاء 29 أبريل 2025 01:10 صباحاً

في أعقاب انتخابات 2024، تكشّفت حقيقة قاسية على الساحة السياسية الأمريكية: الحزب الديمقراطي، الذي طالما قدّم نفسه بوصفه المدافع عن العمال الأمريكيين وحامل راية التقدم، بات بعيدا أكثر من أي وقت مضى عن أولئك الذين ادّعى تمثيلهم. ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لم يعد السؤال «ما الذي حدث؟» بل أصبح «كيف خسر الحزب الديمقراطي أمريكا نفسها؟».

لم تكن القصة مجرد خسارة انتخابية، بل كانت رواية عن انقطاع سياسي، وغطرسة ثقافية، وأخطاء استراتيجية، وجمود فكري. لم يخسر الحزب لأن أمريكا تغيرت، بل لأنه رفض أن يعترف بأنها كانت تتغير.

خيانة الطبقة العاملة

لعقود طويلة قدم الحزب الديمقراطي نفسه على أنه حزب العمال. من «الصفقة الجديدة» لروزفلت إلى «المجتمع العظيم» لجونسون، كان قلبه ينبض في المصانع والمزارع والنقابات، حيث تقيم الطبقة العاملة الأمريكية. لكن في السنوات الأخيرة، انهارت تلك الصلة وتحولت إلى لا مبالاة، بل إلى تخلٍّ صريح أحيانا.

انتقل الحزب نحو أصحاب المليارات في قطاع التكنولوجيا، والنخب المالية، والحرم الجامعي، فابتعد عن قلب أمريكا الحقيقي. وبينما كان وول ستريت ووادي السيليكون يحتفلان، كانت مناجم الفحم في فيرجينيا الغربية ومصانع ميشيغان تنهار، وصرخات سكانها تذوب في أصداء سواحل بعيدة. توقف الحزب عن الحديث بلغة العمل، والكرامة، والعدالة. وبدلا من ذلك، بدأ يلقي المحاضرات، ويُعيّر، وينسحب.

رأى هؤلاء المواطنون في ترامب مرآة، لا مجرد مرشح. رجل بكل عيوبه، لكنه استمع لغضبهم، واحتضن جراحهم، ووعدهم بالاسترداد. أما الديمقراطيون، فردوا بالشعارات والإحصاءات والازدراء.

حزب الرموز لا الحلول

أصبح الحزب الديمقراطي مهووسا بالرموز. أُنزلت الأعلام، هُدمت التماثيل، واحتُدم الجدل حول الضمائر اللغوية، وأُعيدت كتابة التاريخ باسم التقدم. لكن في بلدات أوهايو وويسكونسن وبنسلفانيا، كانت الأسئلة أكثر بساطة: لماذا أصبح الإيجار باهظا؟ لماذا لا أجد وظيفة لائقة؟ لماذا الحدود مفتوحة؟ لماذا أصبحت أحياؤنا أقل أمانا؟

ولم تصل الإجابات، أو وصلت على هيئة تعالٍ أخلاقي. خاطب الحزب أمريكا وكأنها ليست أمة ناقصة تحتاج للتحسين، بل خطيئة تستوجب التكفير. هذا الانتحار الثقافي أبعد أناسا يحبون وطنهم رغم علمهم بعيوبه.

بدلا من أن يلتقي الحزب بالناس حيث يقفون، أصر على أن يأتوا هم إليه، وإن لم يفعلوا، وصمهم بالجهل أو الرجعية أو حتى العنصرية. كانت سياسة إقصائية لا شاملة.

فراغ القيادة

لم يكن هناك ما يعكس أزمة الحزب أكثر من صور قيادته. صورة الرئيس بايدن المُسن كانت عبئا، في حين أن محاولة نائبة الرئيس كامالا هاريس لم تُحدث صدى. خرجت إطلالاتها باهتة ومصطنعة، تفتقد للمسة الإنسانية التي كان الأمريكيون يبحثون عنها. وعجزها عن ردم الهوة الجيلية والفكرية داخل الحزب زاد من تشرذمه.

لم يكن في الحزب من يملك رؤية جامعة للمستقبل. ساندرز كان راديكاليا أكثر من اللازم، بوتيجيج عقلانيا أكثر مما ينبغي، ونيوسوم كان «كاليفورنيا جدا». لم يكن لديهم روزفلت، أو كلينتون، أو حتى أوباما، شخص يلهم الولاء والثقة معا.

سياسات الهوية على حساب الوحدة

رغم أن التنوع لا يزال أعظم قوة لأمريكا، إلا أن الحزب الديمقراطي جعل منه أداة انقسام. المبالغة في تسييس الهوية دفعت فئات واسعة - خاصة من الناخبين اللاتينيين والسود - للتحول إلى الحزب الجمهوري.

بدلا من التوحد حول قضايا مشتركة مثل التضخم أو الصحة أو التعليم، أصر الديمقراطيون على تقسيم الناس حسب التصنيفات والاختلافات. الناس تعبوا من سياسة تُفرّق أكثر مما توحد.

صراع داخلي وآثار خارجية

في الداخل يعيش الديمقراطيون على صفيح ساخن. التقدميون يتناحرون مع الوسطيين، والاشتراكيون يسخرون من المعتدلين. والنتيجة؟ شلل في السياسات، وتناقض في الخطاب، ورسالة سياسية غير واضحة وغير مقنعة. بينما التفّ الجمهوريون حول ترامب، تردد الديمقراطيون وتلعثموا.

كانت الصورة الختامية لحزب يمثل كل شيء... عدا الثقة.

خاتمة: حزب على مفترق طرق

لم يخسر الحزب الديمقراطي أمريكا لأنه لا يعرف كيف يحكم، بل لأنه نسي كيف يتحدث إليها. خلط بين ترندات مواقع التواصل واحتياجات الناس. وظن أنه قادر على الفوز بالوسوم لا بالأمل.

إذا أراد هذا الحزب استعادة مكانته، فعليه أن يعود إلى جذوره: العدالة الاقتصادية، والوحدة الوطنية، والاعتزاز المدني، والتقدم العملي. عليه أن يصغي - لا للمحللين أو استطلاعات الرأي - بل للناس.

فالواقع واضح: لم تتخلَّ أمريكا عن حزبها الديمقراطي. بل الحزب الديمقراطي هو من تخلّى عن أمريكا.

أخبار ذات صلة

0 تعليق