لم تحمل الـ100 يوم الأولى من ولاية دونالد ترامب الرئاسية الثانية أخباراً جيدة لمنطقة الشرق الأوسط، حيث تبنى الرئيس الأمريكي عدداً من السياسات والقرارات التي فاقمت من التوترات السياسية والاقتصادية على حد سواء.
فعلى صعيد الحرب الإسرائيلية على غزة، لم يكتفِ الرئيس ترامب بمواصلة الدعم السياسي والعسكري لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بل تجاوز ذلك إلى حد اقتراح السيطرة الأمريكية على القطاع وتهجير سكانه إلى دول عربية مجاورة.
أضف إلى ذلك استئنافه الحملة العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، وتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، طالت الدول العربية نيران التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الشركاء التجاريين، بجانب قطع المساعدات الخارجية الأمريكية، التي تدعم المشاريع التنموية والإغاثية في المنطقة.
ولم يكن الطلاب العرب في مأمن من سياسات ترامب خلال ولايته الثانية، وشهدت الأيام الـ100 الأولى للرئيس الأمريكي حالات اعتقال وترحيل لطلاب عرب وأجانب بزعم مكافحة معاداة السامية.
نستعرض في هذا التقرير عدداً من السياسات والقرارات التنفيذية التي اتخذها ترامب في أول 100 يوم من دخوله البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني 2025، والتي تتعلق بالشرق الأوسط والدول العربية.
1- قطع المساعدات الخارجية
- لم يكن قد مضى على ولاية ترامب الرئاسية الثانية سوى بضعة أيام حتى أصدر قراراً بتعليق برامج المساعدات الخارجية في المجال التنموي لحين تقييم مدى كفاءة هذه المساعدات واتساقها مع سياسته الخارجية.
- وعلى إثر هذا القرار، باتت المشاريع التنموية العالمية التي تشمل قطاعات عدة صحية وتعليمية وإغاثية مهددة بالتوقف، خاصة ما يتعلق منها بمنطقة الشرق الأوسط.
- وأظهرت مذكرة لوزارة الخارجية الأمريكية اطلعت عليها وكالة رويترز أن قرار تعليق المساعدات الخارجية الذي أمر به ترامب لمدة 90 يوماً ينطبق على المساعدات الجديدة والقائمة، لكنه شمل إعفاءات للتمويل العسكري لإسرائيل ومصر.
- وأثار قرار ترامب تعليق تقديم مساعدات بلاده الخارجية تفاعلاً ومخاوف لدى فئات عربية مرتبطة بالمنح التي تقدمها الوكالات الأمريكية وفي مقدمتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لا سيما في مجالات التعليم والصحة والدعم الإغاثي.
- ونقلت تقارير عن متخصصين في الشؤون الأمريكية، أن قرار ترامب زاد من الأعباء والأضرار لدى شرائح عديدة بالمنطقة العربية المتأثرة اقتصادياً.
- وكانت أبرز الدول العربية التي تأثرت بقرار ترامب قطع المساعدات الخارجية هي مصر والأردن وسوريا والعراق واليمن والسودان.

2- السيطرة على غزة
- وفي فبراير/شباط 2025، اقترح الرئيس الأمريكي سيطرة الولايات المتحدة على غزة، حيث أودى الهجوم العسكري الإسرائيلي في الأشهر الـ18 الماضية بحياة عشرات الآلاف، بعد أن اقترح في وقت سابق تهجير الفلسطينيين في القطاع بشكل دائم.
- ورفض القادة الفلسطينيون وزعماء العالم العربي علناً تعليقات ترامب السابقة التي تفيد بضرورة نقل الفلسطينيين إلى مصر والأردن بينما استنكرها دعاة حقوق الإنسان باعتبارها اقتراحاً بالتطهير العرقي.
- فيما قوبل إعلان ترامب أن الولايات المتحدة ستسيطر على غزة بعد إعادة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى برفضٍ واسعٍ من أهالي القطاع لمغادرة أراضيهم، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من وطنهم، حيث يطمحون إلى إقامة دولةٍ مستقلةٍ في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967.
- وأشارت تقارير عدة إلى أن خطة الرئيس الأمريكي تواجه عقباتٍ عدة، أبرزها رفض سكان القطاع مغادرة أراضيهم، والمعارضة الدولية والإقليمية الواسعة للمقترح، فضلاً عن التحديات القانونية التي تقف عثرة أمام التنفيذ، والرفض العربي لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين.
- وفي وقت لاحق في مارس/آذار الماضي، وفيما بدا أنه تراجع من الرئيس الأمريكي عن خطة تهجير أهل غزة، قال ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الأيرلندي بالبيت الأبيض:"لا أحد سيطرد أي فلسطيني من غزة".
REPORTER: What about the president's plan to expel Palestinians out of Gaza?
TRUMP: Nobody is expelling any Palestinians. Who are you with?
REPORTER: I'm with Voice of America, sir.
TRUMP: Oh, no wonder. pic.twitter.com/SfosOKDnv6
— Aaron Rupar (@atrupar) March 12, 2025
3- دعم إسرائيل عسكرياً
- لم يستجب الرئيس ترامب للدعوات التي لم تتوقف منذ أن شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي حرباً على غزة، والتي طالبت مراراً وتكراراً بوقف الدعم العسكري لتل أبيب، وواصل منذ توليه منصبه في الرابع من يناير/كانون الثاني 2025 إرسال الأسلحة والذخائر لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية.
- وتعددت أشكال هذا الدعم العسكري الذي قدمه ترامب لإسرائيل بين صفقات عسكرية جديدة والإفراج عن أسلحة كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قد حظرت إرسالها إلى الاحتلال.
- وجاءت تفاصيل الدعم العسكري الذي قدمه ترامب لإسرائيل منذ بدء ولايته الثانية على النحو التالي:
أ- ألغي قرار بايدن وأمر بتزويد إسرائيل بقنابل زنة 2000 رطل (26 يناير/كانون الثاني).
ب- أرسل 24 ألف بندقية هجومية لإسرائيل (31 يناير/كانون الثاني).
ج- الموافقة على صفقة أسلحة لإسرائيل بقيمة 7.41 مليارات دولار (8 فبراير/شباط).
4- استئناف القصف الأمريكي على اليمن
- وجّه ترامب في 15 مارس/آذار 2025 بشنّ غارات جوية وبحرية واسعة النطاق على عشرات الأهداف في اليمن، في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وقالت الولايات المتحدة إنها ستواصل قصف اليمن حتى يتوقف الحوثيون عن استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل.
- وشنّت جماعة الحوثي، التي تسيطر على معظم أنحاء اليمن منذ عشر سنوات، هجماتٍ على السفن قبالة السواحل اليمنية، بدأتها في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد أن شنّ جيش الاحتلال الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قائلةً إنها تفعل ذلك دعماً للفلسطينيين في القطاع المحاصر.
- وتعرضت حملة الرئيس الأمريكي لقصف الحوثيين لانتقادات داخلية، بعدما كشفت تقارير أن التكلفة الإجمالية للعملية العسكرية الأمريكية ضد الجماعة اليمنية تقترب من مليار دولار خلال أقل من ثلاثة أسابيع، ولم يكن لها سوى تأثير محدود في تدمير قدراتهم.
- وأشارت تقارير إلى أن الانتقادات التي طالت الحملة العسكرية في اليمن عبّر عنها مشرّعون من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
- وكتب النائبان جيف ميركلي، الديمقراطي من ولاية أوريغون، وراند بول، الجمهوري من ولاية كنتاكي، في رسالة إلى ترامب: "يجب على الإدارة أيضاً أن تشرح للكونغرس والشعب الأمريكي المسار المتوقع للمضي قدماً في ضوء فشل مثل هذه الجهود السابقة".

5- توسيع قائمة حظر السفر
- كشفت تقارير في مارس/آذار الماضي أن إدارة ترامب تعتزم فرض حظر جديد على السفر إلى الولايات المتحدة بالنسبة لمواطني دول معينة، والذي سيكون أوسع من النسخ التي أصدرها الرئيس الجمهوري في ولايته الأولى.
- ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن مسؤولين مطلعين أن مسودة توصية متداولة داخل السلطة التنفيذية تقترح قائمة "حمراء" للدول التي يمكن لترامب منع مواطنيها من دخول الولايات المتحدة.
- ونقل موقع سي إن إن الأمريكي عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن الوزارة "تجري مراجعة كاملة لجميع برامج التأشيرات"، وسط تقارير عن حظر سفر جديد وشيك في الولايات المتحدة.
- وكان ترامب وجه في أمر تنفيذي صدر في العشرين من يناير/كانون الثاني 2025، أعضاء مجلس الوزراء، بما في ذلك وزير الخارجية، بتجميع قائمة بالدول "التي تفتقر إلى المعلومات المتعلقة بالفحص والتدقيق إلى الحد الذي يبرر تعليقاً جزئياً أو كلياً لقبول المواطنين من تلك الدول". ونص الأمر التنفيذي على القيام بذلك في غضون 60 يوماً.
- يذكر أن الرئيس الأمريكي منع في ولايته الأولى المسافرين من سبع دول ذات أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة.
- وفقاً لما نقلته نيويورك تايمز عن أحد المسؤولين، تشمل المسودة ثلاثة قوائم تتألف القائمة الحمراء منها حالياً بشكل رئيسي من الدول التي تم تقييد مواطنيها بموجب نسخ من حظر السفر السابق الذي فرضه ترامب.
- وتشمل القائمة دول كوبا وإيران وليبيا وكوريا الشمالية والصومال والسودان وسوريا وفنزويلا واليمن.
- وقال أحد المسؤولين إن مشروع القرار يقترح مبدئياً إضافة أفغانستان إلى المجموعة التي سيتم منع مواطنيها بشكل قاطع من دخول الولايات المتحدة.
6- التعريفات الجمركية
- وفي 2 أبريل/نيسان 2025، أعلن ترامب فرض رسوم جمركية على جميع الدول بينها حلفاء وخصوم، بحد أدنى يبلغ 10%، معتبراً ما حدث بأنه "يوم تحرير طال انتظاره، وإعلان لاستقلال الاقتصاد الأمريكي، وسيعني في نهاية المطاف المزيد من الإنتاج المحلي ومنافسة أقوى وأسعار أقل للمستهلكين".
- وطالت التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب، والتي علق البعض منها في وقت لاحق لمدة 90 يوماً، الدول العربية بنسب متفاوتة وفقاً للرسوم الجمركية التي تفرضها هذه الدول على المنتجات الأمريكية.
- وفرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة 10% على قطر ومصر والسعودية والإمارات والمغرب والسودان واليمن ولبنان وجيبوتي وعُمان والبحرين.
- فيما بلغت الرسوم الجمركية على دول عربية أخرى معدلات أعلى تجاوزت 39% على العراق و31% على ليبيا و41% على سوريا و 20% على الأردن و30% على الجزائر و28% على تونس.
- وعانت الأسواق العالمية، ومن بينها البورصات العربية، من خسائر فادحة بعد أن أذكت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب المخاوف من حرب تجارية شاملة وركود اقتصادي عالمي.
- ومع ذلك، كانت هناك توقعات بأن تستفيد بعض الدول من التوترات التجارية التي خلفتها هذه الرسوم، ومن بينها تركيا ومنطقة الشرق الأوسط.
- ونقلت تقارير عن خبراء اقتصاديين أن التأثير المباشر للرسوم الجمركية، مثل الرسوم الأمريكية على واردات الصلب والألمنيوم، محدودٌ للغاية على الشرق الأوسط.
- كما أن أحد التغييرات المهمة والإيجابية التي قد تحدثها التعريفات الجمركية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو الدفع نحو إنشاء ممرات تجارية أكثر انسيابية جغرافياً.

7- تعزيزات عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط
- أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، الأربعاء 2 أبريل/نيسان 2025، عزمها زيادة وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط مع استمرار الجيش الأمريكي في شن غارات جوية ضد الحوثيين في اليمن وتكثيف ضغوطه على إيران.
- وشمل التعزيز العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط طائرات مقاتلة من طراز إف-35، التي تنضم إلى قاذفات بي-2 وطائرات بدون طيار من طراز بريداتور في المنطقة، بحسب ما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أمريكيين مطلعين على الخطط.
- وإلى جانب حاملات الطائرات، تشمل التعبئة العسكرية الأمريكية مدمرات حاملة لصواريخ كروز وسفناً حربية أخرى.
- وأفاد المسؤولون بأن الولايات المتحدة أرسلت أيضاً بطاريات باتريوت مضادة للصواريخ للدفاع عن القواعد الجوية الأمريكية وحلفائها القريبين.
- وهبطت ما لا يقل عن 140 طائرة نقل أمريكية بمنطقة الشرق الأوسط قادمةً من عدة قواعد عسكرية أمريكية رئيسية. وكانت معظمها محملة بالمعدات، وفقاً لتحليل بيانات تتبع الرحلات الجوية التي حللتها صحيفة هآرتس العبرية.
- وأضافت هآرتس أن أكثر من 20 طائرة شحن تابعة لسلاح الجو الأمريكي وصلت من اليابان وقاعدة فورت سيل بولاية أوكلاهوما، وتحمل على الأرجح بطاريات باتريوت وثاد لدعم القوات الأمريكية في الخليج العربي ضد أي هجوم إيراني محتمل.
- وتمثل هذه الحشود الجديدة زيادة بنحو 50% عن ذروة الشهر السابق في الرحلات العسكرية الأمريكية إلى المنطقة، وفقاً لصحيفة هآرتس.
8- تقليص تقارير حقوق الإنسان
- أجرت إدارة ترامب في 19 أبريل/نيسان الماضي تعديلات على التقارير السنوية التي تصدرها وزارة الخارجية حول حقوق الإنسان الدولية، وأزالت الانتقادات المعتادة للانتهاكات، مثل ظروف السجن القاسية، والفساد الحكومي، والقيود المفروضة على المشاركة في العملية السياسية، وسط مخاوف من أن تخفف هذه التعديلات الضغوط على الدول لدعم الحقوق المدنية والسياسية.
- وبجانب التعديلات التي أدخلتها الخارجية الأمريكية على التقارير السنوية لحقوق الإنسان، فإن التقارير المتعلقة بـ 20 دولة على وجه الخصوص، من بينها مصر، لن يتم إصدارها إلا بعد عرضها على مستشار لإجراء مراجعة خاصة بها، حسب تقرير لموقع إن بي آر.
- ويستند الكونغرس الأمريكي إلى هذه التقارير لإصدار توصيات تتعلق بتخصيصات المساعدات الخارجية والمساعدة الأمنية.
- على سبيل المثال، أفادت وكالة رويترز في يناير/كانون الأول الماضي أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن السابقة حولت 95 مليون دولار من المساعدات العسكرية المخصصة لمصر إلى لبنان.
- وجاء في إخطار وزارة الخارجية للكونغرس بشأن التحويل المخطط له أن القوات المسلحة اللبنانية "شريكة رئيسية" في دعم اتفاق 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بين لبنان وإسرائيل. وبحسب رويترز، فإن هذه الخطوة "تأتي بعد أن عبر بعض رفاق بايدن الديمقراطيين في الكونغرس عن مخاوفهم العميقة إزاء سجل مصر في مجال حقوق الإنسان، خاصة اعتقال الآلاف من السجناء السياسيين".
- وأبرزت هذه الخطوة رفض الرئيس ترامب التركيز على حقوق الإنسان، سواءً على الصعيد المحلي أو في السياسة الخارجية. ويرى هو والعديد من مساعديه أن هذه القضية تُعيق قدرة أمريكا على التفاعل مع الحكومات الأخرى في قضايا أخرى، مثل التجارة، بحسب تقارير أمريكية.

0 تعليق