تسعى لتحقيق 5 تريليون جنيه في السنة المقبلة.. ما علاقة إغلاق محلات “بلبن” برغبة مصر في فرض ضريبة جديدة عوض رسوم الخدمات؟ - دليل الوطن

عربى بوست 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حظيت وضعية مناخ الاستثمار في مصر بنقاشات خلال الفترة الماضية، التي عُرفت بإغلاق سلسلة مطاعم شهيرة، منها محال حلويات "بلبن"، قبل أن تعود بعدها بساعات لتعلن عن إعادة فتحها مرة أخرى بعد تدخل الرئيس عبدالفتاح السيسي.

ووجّه الرئيس المصري أيضاً باستبدال الرسوم التي تتقاضاها الجهات والهيئات الحكومية المختلفة من المشروعات الاستثمارية بضريبة إضافية موحدة تمثل نسبةً من صافي الربح، وهو ما أثار جدلاً آخر، وبدا وكأن القرار جاء لتحسين الصورة أمام المستثمرين.

وبحسب بيان صادر عن الرئاسة المصرية، فإن السيسي وجّه باستبدال الرسوم بضريبة إضافية موحدة تمثل نسبةً من صافي الربح، مؤكداً ضرورة منح القطاع الخاص دوراً محورياً في دفع عجلة الاقتصاد وزيادة الصادرات.

وبحسب مصدر مطلع بمصلحة الضرائب المصرية، فإنه من المتوقع أن تصل قيمة ضرائب أرباح الشركات إلى 25% بدلاً من 22.5% كما هو الوضع حالياً، نظير عدم دفع رسوم تراخيص الإنشاء.

وحسب المتحدث، فإن هذه الخطوة من شأنها رفع الميزة التنافسية للاقتصاد المصري، وأن الفترة القادمة ستكون شاهدة على مزيد من الحوارات مع رجال الأعمال والمستثمرين حول تلك النسبة.

وكشف المصدر ذاته أن وزارة المالية سوف تتولى مسؤولية تسديد الرسوم بدلاً من المستثمرين للهيئات المختلفة، ما سيجعل إمكانية الانتهاء من الحصول على التراخيص المختلفة خلال فترة وجيزة، في حين أن بعض المشروعات في السابق كان من الممكن أن تنتظر عدة أشهر للحصول على جميع الموافقات.

بالتوازي مع إجراء تعديلات تشريعية تتعامل مع الوضعية الجديدة فيما يتعلق بالضرائب وكذلك التعامل مع الرسوم المتجددة سنوياً وكيفية حسابها، مشيراً إلى أن وزارة المالية تستهدف زيادة 5 تريليون جنيه كحصيلة ضريبية خلال العام المالي القادم.

الإغلاق له علاقة بطبيعة تمويل سلسلة المحلات

تأتي رغبة الحكومة المصرية في تعزيز مناخ الاستثمار في وقت أُثير فيه جدل واسع حول الأسباب الحقيقية التي دفعت إلى إغلاق سلسلة محال "بلبن"، إذ قال بيان صادر عن الهيئة القومية لسلامة الغذاء إنها اكتشفت وجود بكتيريا ممرضة تُعد من الأسباب الرئيسية للتسمم الغذائي.

فيما قالت شركة بلبن إن "الإغلاق الذي حصل للفروع خلال الأيام الماضية في مصر لم يكن له أي علاقة بحالات تسمم، ولا توجد أي بلاغات طبية"، وأشارت الشركة إلى إغلاق جميع فروعها البالغ عددها 110، إلى جانب المصانع والمنشآت التابعة لها، التي يعمل بها 25 ألف مصري.

وأطلقت الشركة نداءً رسمياً إلى الرئيس المصري لحل الأزمة قبل أن تتراجع حدة الأزمة مع إعادة الشركة لفتح فروعها في السعودية والاستعداد لفتح المحال في مصر بشكل رسمي الأسبوع المقبل.

وبحسب مصدر أمني مطلع على طبيعة الأزمة، فإن أبعاد إغلاق المحلات لها علاقة بطبيعة تمويل سلسلة المحلات التي لديها سجلات تجارية وهمية في دول عديدة مثل بريطانيا وويلز، وهي مقرات افتراضية، وكان لدى الحكومة المصرية توجس بشأن تمويلاتها.

بالإضافة إلى أنه لا يوجد أفرع لها في هذه الدول، غير أن ذلك لم يكن ليحدث لولا علاقات المنافسين في السوق المصري الذين كان لهم دور غير مباشر في الحملات ضد سلسلة المطاعم الشهيرة مع الدخول في خلافات عميقة إثر حملات إعلانية جرى تنظيمها في رمضان المنقضي نالت من سمعة بعضهما البعض.

وأوضح المصدر ذاته أن النمو السريع في عدد أفرع "بلبن" في مصر والدول العربية كان دافعاً للتحرك نحو التعرف على طبيعة التمويل، بخاصة وأن رأس مال الأفرع الموجودة في مصر ودول عربية مختلفة تجاوز 300 مليون جنيه.

ولعل ذلك ما دفع منافسين لتحريك شكوى قادت إلى الإغلاق ثم العودة إلى الافتتاح مرة أخرى، وقد يكون ذلك طبقاً لآليات المنافسين والسوق المصرية، وليس من المتوقع أن تشهد سلسلة المحال توسعاً جديداً على الأقل في مصر، وقد تتجه الأوضاع نحو إغلاق بعض الأفرع في المحافظات المختلفة.

رشاوى لموظفين ورسوم لا تخضع للرقابة

وكشف خبير اقتصادي قريب من الحكومة أن قرار الرئيس المصري له علاقة بمطالب مستثمرين عرب واجهوا أزمات عديدة بسبب إجراءات إقامة مشروعاتهم، وأن تراخيص بعض الشركات تتطلب دفع رسوم إلى أكثر من 16 جهة مختلفة، وهو ما جعل مصر تجد صعوبات في التسويق للفرص الاستثمارية التي لديها.

إن هذه الأموال هي رسوم تذهب في الأغلب إلى الصناديق الخاصة التي لا تخضع للرقابة، وبدا هناك توجس من أسباب فرضها، خاصة وأن المستثمرين يضطرون في كثير من المرات لدفع رشاوى لموظفين لتسهيل الحصول على ترخيص، وبالتالي تبقى هناك أموال لا تذهب للحكومة.

وأوضح أن كثيراً من الأنشطة الاستثمارية في مصر تتطلب تجديد الرسوم سنوياً، وهو ما يشكل إرهاقاً للمستثمرين، وبالتالي فإن القرار الأخير تكمن إيجابياته في كونه يسهل مهمة عمل المستثمرين لكنه لا يمنحهم مزايا ضريبية.

كما أن بعض الشركات التي تحقق أرباحاً جيدة سيكون عليها دفع مبالغ كبيرة بعكس الشركات التي لا تحقق أرباحاً، والتي لن تكون بحاجة وقتها لدفع قيمة هذه الرسوم، وهو ما يفتح أبواباً عديدة للتهرب الضريبي.

وتابع: "هناك مشكلة كبيرة في تنفيذ الفكرة، خاصة وأن الحكومة ليس لديها القدرات الرقمية التي تجعلها قادرة على كشف تلاعب المستثمرين والتجار، وقد يمكن تنفيذها على بعض المستثمرين دون آخرين، وبالتالي فإن ذلك سيخلق حالة ليست إيجابية وإن كان الهدف هو تشجيع الاستثمارات".

وأشار إلى أن ما سيتم تحصيله سوف يذهب إلى موازنة وزارة المالية وليس إلى الصناديق الخاصة مثلما هو الوضع بالنسبة لبعض الرسوم التي تتبع وزارات وهيئات مختلفة، ويعد ذلك إحدى الإصلاحات التي يطالب بها بشكل مستمر صندوق النقد الدولي، وأن النقاش سيدور خلال الأيام المقبلة على قيمة الضريبة المفروضة وطريقة تنفيذها.

وقد حققت موازنة مصر أعلى إيرادات ضريبية في تاريخها، إذ بلغت 912.5 مليار جنيه خلال الفترة من يوليو/تموز إلى ديسمبر/كانون الأول من السنة المالية 2024/2025 بزيادة قدرها 250.4 مليار جنيه بنسبة نمو 38%.

ويتزامن استبدال الرسوم بضريبة موحدة على ربحية الشركات، مع اعتزام وزارة المالية تحصيل ضرائب ورسوم من الجهات الاقتصادية والأجهزة السيادية، بما في ذلك هيئة المجتمعات العمرانية، بدءاً من العام المالي الجاري، ما سيسهم في تحقيق "حصيلة كبيرة من الضرائب" كما كشف مصدر مطلع بمصلحة الضرائب المصرية.

هروب الاستثمارات إلى السوق السعودي

يؤكد خبير اقتصادي بوزارة المالية أن توجيه الرئيس يخالف نصوص الدستور، فلا يوجد في مصر خدمة يتم دفع ضريبة عليها من الأرباح، والخدمة من المفترض أنها تُقدم بالتراضي.

كما أن العديد من الشركات لا تخضع لموافقات عديدة، أسوة بسوق الدواء مثلاً الذي يتطلب موافقة 23 جهة، يتم دفع رسوم لها، وسيكون هناك ظلم لبعض المشروعات، وبالتالي لا يمكن إطلاق لفظ "ضريبة موحدة".

وأشار إلى أن نسبة الضرائب سوف تشهد زيادة كبيرة، وذلك لا يخدم سوق الاستثمار المصري في مقابل أسواق عربية منافسة تقدم تسهيلات كبيرة لجذب المستثمرين، وقد يشهد السوق المصري هروب بعض الاستثمارات إلى السوق السعودي، وهو سوق كبير ونشط.

وقال إن تصوير تحويل رسوم الخدمات على أنها ضرائب إضافية يضر بصورة الاستثمار المصري، وسيؤثر ذلك سلباً على جذب الاستثمار الأجنبي، وسيكون هناك قناعة بأن ضخ الأموال في السوق المصري الآن مغامرة، على الأقل لحين اتضاح الصورة والتعرف على توجه الحكومة الجديد.

وبحسب ما أكده المصدر ذاته، فإن التوجه في هذا التوقيت غير مفهوم، والترحيب على نطاق واسع بالخطوة من جهات حكومية عديدة يشير إلى أن هناك مساعي لتحسين الصورة، لكن يبقى المضمون به العديد من المشكلات التي تعيق مناخ الاستثمار.

وشدد على أن القرار الأخير لا يمثل إصلاحاً ضريبياً حقيقياً ولا يحقق مفهوم العدالة الاقتصادية المطلوبة، بل إنه يشكل عبئاً على بعض المستثمرين الذين سيرون أنهم يدفعون ضرائب على خدمات قد لا تُقدم لهم من الأساس، في حين أنه من المفترض أن تكون هذه الخدمات برسوم رمزية.

المشكلة الأكبر من وجهة نظر الخبير ذاته تكمن في أن الحكومة المصرية، وفقاً لهذا التوجه، تبعث برسائل سلبية للمستثمرين كمصدر يمكن تحصيل الأموال منه بسبل مختلفة، وإن لم يكن هناك داعٍ لذلك، وأنه من الصعب إقدام مصلحة الضرائب في مصر على تنفيذ التوجيهات الرئاسية دون فتح نقاش معمق حول العوائد الإيجابية من تحويل الرسوم إلى ضرائب.

هذا بالإضافة إلى تزايد مخاوف المستثمرين من كيفية حساب سعر الضريبة الإضافية، وليس هناك ضمانات على عدم وضع تقديرات جزافية، لأنه يصعب التعرف على قيمة ما حققته الشركة من أرباح مع ضعف الإمكانيات الحكومية الرقمية وعدم وجود آليات جيدة للرقابة.

ولفت إلى أنه كان من الممكن توحيد الجهة التي تحصل على الرسوم دون ربطها بالضرائب، لأنها ستكون ضريبة إضافية إلى جانب ضريبة الأرباح وضريبة القيمة المضافة، الأمر الذي يهدد تدفق الاستثمارات وسيواجه باعتراضات كبيرة من المستثمرين ومجتمع الأعمال.

وتقول الأرقام الخاصة بوكالة الأمم المتحدة المعنية بالتجارة والتنمية "الأونكتاد"، إن الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر ظل ثابتاً على وتيرة واحدة خلال الفترة من 1990 إلى 2004، إذ بلغ حينذاك نحو 2.1 مليار دولار، وواصل نموه حتى 2007، إذ بلغ نحو 11.5 مليار دولار، وهي الحصيلة الأعلى على الإطلاق التي لم تستطع مصر كسر رقمها القياسي حتى الآن.

بدأت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر تعافيها منذ عام 2012، لكنها لم تحقق الزيادة الكبيرة التي تدعم بها الاقتصاد المصري، ومع تداعيات جائحة كوفيد-19، واصلت الاستثمارات نسبها المتفاوتة ليبلغ متوسطها نحو خمسة مليارات دولار سنوياً في الفترة بين عامي 2020 و2021.

تأتي هذه الأرقام متضاربة مع ما أورده الموقع الرسمي لرئاسة مجلس الوزراء المصري، نقلاً عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يونيو/حزيران الماضي، إذ أوضح أن العام المالي 2022/2021 شهد 8.9 مليار دولار، لتسجل أكبر زيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر بزيادة تبلغ نسبتها 71.4%.

وعلى الرغم من هذه الأرقام التي تعكس نمو الاستثمارات، فإنها ما زالت ضعيفة بالنسبة إلى دولة تمتاز بالبنية التحتية التي يمكنها جذب المزيد من الاستثمارات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق