الضوء الأخضر الأمريكي للمشروع النووي السعودي - دليل الوطن

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الضوء الأخضر الأمريكي للمشروع النووي السعودي - دليل الوطن, اليوم الثلاثاء 15 أبريل 2025 09:22 مساءً

تشهد منطقة الشرق الأوسط تحولات استراتيجية متسارعة في مجال التكنولوجيا النووية، تلك التكنولوجيا التي طالما مثلت عنصرا محوريا في معادلات توازن القوى العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي خضم هذه التحولات، برزت مؤخرا مؤشرات جديدة تعكس تغيرا ملحوظا في السياسة الأمريكية تجاه التعاون النووي مع دول المنطقة، وتحديدا المملكة العربية السعودية، التي تسعى بخطى حثيثة نحو تنويع مصادر الطاقة لديها في إطار رؤية 2030.

تشير القراءة المتأنية للمشهد السياسي الراهن إلى أن زيارة وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت للرياض في 13 أبريل/نيسان 2025، قد شكلت نقطة تحول مهمة في مسار التعاون النووي بين البلدين. فقد أعلن رايت خلال مؤتمر صحفي عقده في العاصمة السعودية أن "الولايات المتحدة ستوقّع مع المملكة اتفاقية بشأن التعاون طويل الأمد في مجال الطاقة والتكنولوجيا النووية السلمية المدنية"، مضيفا أن "بالنسبة لشراكة الولايات المتحدة في القطاع النووي بالسعودية، سيكون هناك بالتأكيد اتفاقية 123... وهناك العديد من السبل لصياغة اتفاق يحقق الأهداف السعودية والأمريكية في آن معا".

ويستند ما يُعرف بـ"اتفاقية 123" إلى المادة 123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي لعام 1954، وهي شرط قانوني أساسي يتيح للحكومة الأمريكية وشركاتها التعاون النووي مع دول أخرى، شريطة استيفاء معايير تتعلق بمنع الانتشار النووي، من بينها منع استخدام التكنولوجيا في تطوير أسلحة نووية أو نقل مواد نووية حساسة لطرف ثالث. وبموجب قوانين الولايات المتحدة، فإن سريان هذه الاتفاقية يجب أن يبدأ قبل صدور ترخيص تصدير المواد النووية أمريكية المنشأ، مثل وقود المفاعلات والمعدات المتمثلة في المفاعلات النووية والمكونات الرئيسة الأخرى.

ويبدو لي أن الموقف السعودي من هذه الاتفاقية يتسم بالحذر والترقب، ولا تزال هناك مفاوضات واجتماعات عديدة يمكن خلالها التوصل لعدة حلول مناسبة للطرفين، ولا سيما أنها قد أعربت سابقا عن رفضها التوقيع على اتفاقية تمنع تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة الوقود المستنفد، وهما مساران يمكن أن يؤديا إلى إنتاج سلاح نووي، وهذا الموقف ينبع من رؤية استراتيجية سعودية تستند إلى ضرورة الحفاظ على خيارات متعددة في مجال الطاقة النووية.

ليس سرا أن المملكة العربية السعودية تسعى بجدية نحو تنويع مصادر الطاقة لديها في إطار رؤية 2030، حيث تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتوسيع استخدام الطاقة المتجددة، بما في ذلك الطاقة النووية، بهدف خفض الانبعاثات وتحقيق تحول مستدام في قطاع الطاقة. وقد أكد وزير الطاقة الأمريكي هذا التوجه بقوله "السعودية تسعى في الوقت الحالي لجعل العالم مكانا أفضل، وأمريكا بدورها تتوقع مستقبلا واعدا للتعاون معها"، مضيفا أن بلاده "متحمسة بالفعل للتعاون مع المملكة بشأن المشروع النووي للسعودية، كما أنها تعمل على بناء صناعة نووية تجارية في المملكة".

يكشف التحليل الموضوعي للسياق الإقليمي والدولي أن الموافقات الأمريكية المبدئية على إمداد السعودية بالتقنية النووية تأتي في ظل توازنات إقليمية معقدة.

وتفيد التجارب التاريخية بأن انتشار التكنولوجيا النووية في منطقة متوترة مثل الشرق الأوسط قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي، كما حدث بين الهند وباكستان. ومع ذلك، فإن هناك نماذج إيجابية للتعاون النووي السلمي، مثل تجربة كوريا الجنوبية التي نجحت في تطوير برنامج نووي سلمي بالتعاون مع الولايات المتحدة، وكذلك تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة التي دشنت أول محطة للطاقة النووية في العالم العربي بالتعاون مع كوريا الجنوبية.

وفي تقديري، فإن الموافقات الأمريكية المبدئية على إمداد السعودية بالتقنية النووية تعكس تحولا استراتيجيا في العلاقات بين البلدين، يتجاوز البعد التجاري والاقتصادي ليشمل أبعادا جيوسياسية مهمة. فمن ناحية، تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها في المنطقة من خلال دعم حليفها التقليدي، ومن ناحية أخرى، تسعى المملكة إلى تنويع خياراتها الاستراتيجية وتعزيز أمنها القومي في بيئة إقليمية متقلبة.

ومع ذلك فإن نجاح هذا التعاون يتوقف على قدرة الطرفين على تجاوز الخلافات حول القضايا الحساسة، وعلى رأسها مسألة تخصيب اليورانيوم.

وفي الختام، يمكن القول إن الموافقات الأمريكية المبدئية على إمداد السعودية بالتقنية النووية تمثل خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين، وتفتح آفاقا جديدة للتنمية المستدامة في المملكة. ومع ذلك فإن الطريق لا يزال طويلا أمام تحقيق تعاون نووي شامل يلبي طموحات الطرفين ويسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي وتوازن القوى في المنطقة

أخبار ذات صلة

0 تعليق