في أول 100 يوم من ولايته الثانية، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من السياسات والإجراءات التي زعزعت النظام العالمي القائم، وأعادت تشكيل موقع الولايات المتحدة داخله. فبين تصعيد غير مسبوق في الحروب التجارية، وإعادة رسم العلاقات مع الحلفاء والخصوم، وتبني مواقف خارج الأعراف الدبلوماسية المعتادة، بات من الواضح أن نهج ترامب لا يسعى فقط إلى تغيير قواعد اللعبة، بل إلى إعادة صياغة اللعبة نفسها.
ويصادف هذا الأسبوع مرور 100 يوم على تولي ترامب منصبه لولاية ثانية، ويرصد هذا التقرير أبرز الخطوات التي اتخذها ترامب خلال هذه الفترة الحاسمة، ويحلل انعكاساتها على التحالفات الدولية، وموقع الولايات المتحدة، واستقرار النظام العالمي الذي تشكل بعد الحرب العالمية الثانية.
كيف قلب ترامب النظام العالمي في أول 100 يوم من ولايته الثانية؟
- شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حرباً جمركية عالمية غير مسبوقة وخفض المساعدات الخارجية الأمريكية واستخف بالدول الأخرى في حلف شمال الأطلسي وتبنى الرواية الروسية حول غزوها لأوكرانيا وتحدث عن ضم جرينلاند واستعادة قناة بنما وجعل كندا الولاية الأمريكية رقم 51، وأعطى حليفته "إسرائيل" ما تريد من الأسلحة وضوءاً أخضراً لشن هجمات لا حد لها في غزة، بحجة الضغط على "حماس".
- في الأيام المئة الأولى الفوضوية منذ عودة ترامب إلى منصبه، شن الرئيس الأمريكي حملة غير متوقعة في كثير من الأحيان أدت إلى قلب أجزاء من النظام العالمي القائم على القواعد والذي ساعدت واشنطن في بنائه من أنقاض الحرب العالمية الثانية.
- يقول إليوت أبرامز، السياسي المحافظ الذي عمل في عهد الرئيسين رونالد ريجان وجورج دبليو بوش قبل تعيينه مبعوثا خاصا للولايات المتحدة بشأن إيران وفنزويلا في ولاية ترامب الأولى: "ترامب الآن أكثر تطرفاً بكثير مما كان عليه قبل ثماني سنوات".. وأضاف لوكالة رويترز: "لقد فوجئت به".
- أدى جدول أعمال ترامب القائم على سياسة (أمريكا أولاً) في ولايته الثانية إلى نفور الأصدقاء واكتساب الخصوم للجرأة، وأثار أيضا تساؤلات عن المدى الذي هو مستعد للذهاب إليه. وأثارت أفعاله، إلى جانب هذا الغموض، قلق بعض الحكومات لدرجة أنها ترد بطرق ربما يصعب التراجع عنها، حتى لو انتُخب رئيس أمريكي أكثر تقليدية في عام 2028 ، كما تقول رويترز.
- يأتي كل هذا في ظل ما يراه منتقدو الرئيس الجمهوري مؤشرات على تراجع الديمقراطية في الداخل، مما أثار مخاوف في الخارج. وتشمل هذه المؤشرات هجمات لفظية على القضاة وحملة ضغط على الجامعات ونقل المهاجرين إلى سجن سيئ السمعة في السلفادور في إطار حملة ترحيل أوسع نطاقا.
- وقال دينيس روس المفاوض السابق في شؤون الشرق الأوسط في إدارات ديمقراطية وجمهورية: "ما نشهده هو اضطراب هائل في الشؤون العالمية. لا أحد يعلم في هذه المرحلة كيف يكوّن رأيا حيال ما يحدث أو ما سيأتي لاحقا".
- ويأتي هذا التقييم للتغييرات التي أحدثها ترامب في النظام العالمي من مقابلات أجرتها وكالة رويترز مع أكثر من 12 مسؤولاً حكومياً حالياً وسابقاً ودبلوماسيين أجانب ومحللين مستقلين في واشنطن وعواصم حول العالم، بالإضافة إلى مقابلات أجرتها مجلة "فورين بوليسي" مع 10 مفكرين حول الولاية الثانية للرئيس ترامب ومستقبلها.
- ويقول هؤلاء المفكرين والخبراء، إنه على الرغم من أن بعض الأضرار التي وقعت بالفعل ربما تكون طويلة الأمد، فإن الوضع قد لا يكون مستحيلاً إصلاحه إذا خفف ترامب من سياسته. وتراجع بالفعل في بعض القضايا، منها توقيت الرسوم الجمركية وحجمها. لكنهم لا يرون فرصة كبيرة لحدوث تحول جذري من قبل ترامب، ويتوقعون بدلاً من ذلك أن تقوم دول عديدة بإجراء تغييرات دائمة في علاقاتها مع الولايات المتحدة لحماية نفسها من سياساته المرتبكة.
أولاً: تصدع التحالفات التقليدية وتحويل الأصدقاء لأعداء
- لقد بدأت التصدعات في التحالفات التاريخية للولايات المتحدة بالفعل، وربما تغير بعضها للأبد. على سبيل المثال، يسعى بعض الحلفاء الأوروبيين إلى تعزيز صناعاتهم الدفاعية لتقليل الاعتماد على الأسلحة الأمريكية. واحتدم الجدل في كوريا الجنوبية بخصوص تطوير ترسانتها النووية. وتزايدت التكهنات بأن تدهور العلاقات قد يدفع شركاء الولايات المتحدة إلى التقارب مع الصين، اقتصاديا على الأقل.
- ويرفض البيت الأبيض فكرة أن ترامب أضر بمصداقية الولايات المتحدة، مشيرا بدلا من ذلك إلى الحاجة إلى إزالة آثار ما وصفه بعبارة "القيادة المتهورة" للرئيس السابق جو بايدن على الساحة العالمية.
- وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض برايان هيوز في بيان وقال: "يتخذ الرئيس ترامب إجراءات سريعة لمعالجة التحديات من خلال جلب كل من أوكرانيا وروسيا إلى طاولة المفاوضات لإنهاء حربهما، ووقف تدفق مخدر الفنتانيل وحماية العاملين الأمريكيين من خلال محاسبة الصين، ودفع إيران إلى طاولة المفاوضات من خلال إعادة العمل بسياسة أقصى الضغوط". وأضاف أن "ها هو الرئيس ترامب يجعل الحوثيين يدفعون ثمن إرهابهم… ويؤمن حدودنا الجنوبية التي كانت مفتوحة للغزو لمدة أربع سنوات".

- وأظهر استطلاع رأي أجرته رويترز/إبسوس ونشر في 21 أبريل/ نيسان 2025، أن أكثر من نصف الأمريكيين، بما في ذلك واحد من كل خمسة جمهوريين، يعتقدون أن ترامب "متحالف بشكل وثيق بشدة مع روسيا"، كما أن "الجمهور الأمريكي ليس لديه رغبة كبيرة في البرنامج التوسعي الذي وضعه".
- في الوقت نفسه، خالف ترامب السياسة الأمريكية تجاه الحرب الروسية المستمرة منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا، ودخل في جدال حاد في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أواخر فبراير/ شباط. وتقارب مع موسكو، وأثار مخاوف من أنه سيجبر كييف، المدعومة من حلف شمال الأطلسي، على قبول خسارة أراضيها، بينما يُعطي الأولوية لتحسين العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
- وأثار استخفاف الإدارة بأوروبا وحلف شمال الأطلسي قلقاً بالغاً، بعدما كانا لفترة طويلة الركيزة الأساسية للأمن عبر الأطلسي لكن ترامب ومساعديه يتهمونهما باستغلال الولايات المتحدة.
- وعبر المستشار الألماني المنتظر فريدريش ميرتس، بعد فوزه في الانتخابات التي جرت في فبراير/ شباط، عن قلقه إزاء العلاقات الأوروبية مع الولايات المتحدة، وقال إن الوضع سيصبح صعباً إذا حول الذين وضعوا شعار "أمريكا أولا" شعارهم إلى "أمريكا وحدها". وأضاف ميرتس: "هذا يمثل في الواقع فترة ما قبل وقوع الكارثة بالنسبة لأوروبا".
- وتبحث دول مثل ألمانيا وفرنسا إنفاق المزيد على جيوشها، وهو ما طالب به ترامب، ولكن هذا ربما يعني أيضا الاستثمار بشكل أكبر في صناعاتها الدفاعية وشراء أسلحة أقل من الولايات المتحدة.
- وفي ظل توتر علاقة الصداقة التاريخية مع الولايات المتحدة، تسعى كندا إلى تعزيز روابطها الاقتصادية والأمنية مع أوروبا. ويأتي ذلك على خلفية الانتخابات الوطنية الكندية المقررة غدا الاثنين، والتي يهيمن عليها استياء الناخبين من تصرفات ترامب التي أثارت نعرة قومية وغذت انطباعات بأن واشنطن لم تعد شريكا موثوقا به.
- وأبدت كوريا الجنوبية انزعاجها أيضا من سياسات ترامب، بما في ذلك تهديداته بسحب القوات الأمريكية. لكن سول تعهدت بمحاولة العمل مع الرئيس الأمريكي والحفاظ على التحالف الذي تعتبره مهما في مواجهة تهديد كوريا الشمالية المسلحة نوويا.
- وتشعر اليابان، حليفة الولايات المتحدة، كذلك بالقلق. فقد فوجئت بحجم رسوم ترامب الجمركية، وقال مسؤول حكومي ياباني كبير مقرب من رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا إن طوكيو "تسعى جاهدة للرد".
ثانياً: تصعيد الحروب التجارية
- اتهم ترامب شركاءه التجاريين "بنهب" الولايات المتحدة على مدى عقود من الزمن، وبدأ في تطبيق سياسة رسوم جمركية شاملة أدت إلى اضطراب الأسواق المالية وإضعاف الدولار وإثارة تحذيرات من تباطؤ الناتج الاقتصادي العالمي وزيادة خطر الركود.
- ويصف ترامب الرسوم الجمركية بأنها "دواء" ضروري، لكن أهدافه لا تزال غير واضحة حتى مع عمل إدارته على التفاوض على اتفاقات منفصلة مع عشرات الدول.
- تجاوز ترامب كل الحدود، ولكن بطرق فوضوية وغير متوقعة. هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على دول البريكس إذا خفضت معاملاتها بالدولار الأمريكي، وفرض رسومًا جمركية ورفعها جزئيًا على كندا والمكسيك بسبب الهجرة غير الشرعية وتهريب الفنتانيل، ووسّع نطاق الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم ، ورفع تكلفة معظم واردات السيارات بنسبة 25% .
- وكانت الضربة القاضية إعلانه في الثاني من أبريل/نيسان عمّا يُسمى بالرسوم الجمركية المتبادلة على شركاء الولايات المتحدة التجاريين، والتي وصلت إلى 50% على بعض الدول. استخدمت الإدارة صيغةً فجةً أدّت إلى انهيار أسواق الأسهم والسندات، مما أجبر ترامب على التراجع قليلاً.

- كان الضرر الأخطر على العلاقات الأمريكية الصينية، التي رعاها لايتهايزر خلال ولاية ترامب الأولى حتى مع فرضه للرسوم الجمركية. هذه المرة، أدّى تهور الصين في الردّ برسوم جمركية انتقامية إلى دفع البلدين إلى دوامة اقتصادية خانقة، حيث فرض كل منهما رسومًا جمركية عالية بما يكفي لعرقلة معظم التجارة. ولا يبدو أن أحدًا في فريق ترامب قادر على حل هذه المشكلة.
- في الوقت نفسه، بدأت حكومات الحلفاء إعادة صياغة سياستها تجاه أمريكا، وأعد الاتحاد الأوروبي – الذي زعم ترامب أنه تشكل "لإزعاج" الولايات المتحدة – مجموعة من الرسوم الجمركية المضادة لفرضها إذا فشلت المفاوضات.
- السؤال الرئيسي هنا هو هل ستحمي بعض الحكومات نفسها بهدوء من الرهانات الخاسرة من خلال إقامة علاقات تجارية أوثق مع الصين، الهدف الأول لرسوم ترامب الجمركية؟ ففي أوائل أبريل نيسان، التقى رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانتشيث بالرئيس الصيني شي جين بينغ في بكين، وقالت الصين في الآونة الأخيرة إنها تبادلت وجهات النظر مع الاتحاد الأوروبي بشأن تعزيز التعاون الاقتصادي.
ثانياً: تفكيك النظام العالمي واستهداف المنظمات الدولية
- لم يكن النظام الدولي الحالي سوى نتيجة هندسة للمؤسسات وترتيبات المعاهدات التي تولّت واشنطن زمام المبادرة في إنشائها خلال العقد الأول بعد الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك الأمم المتحدة، حلف شمال الأطلسي، ومنظمة التجارة العالمية، كمحاور رئيسية لإرساء نفوذها العالمي. هذه المنظومة لم تخلُ من شعارات مثالية -حقوق الإنسان، التجارة الحرة، الديمقراطية، والتعاون المتعدد الأطراف- لكنها كانت في جوهرها أداة لترسيخ الزعامة الأمريكية، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، حين وجدت الولايات المتحدة نفسها القوة العظمى الوحيدة في عالم بدا أنه يسير وفق شروطها.
- غير أن هذا النظام، الذي تهيمن عليه الإمبراطورية الأمريكية، تلقّى ضربة عنيفة مع صعود دونالد ترامب، الذي رفع شعار "أمريكا أولاً" منذ حملته الانتخابية، مؤكداً، في خطابه التنصيبي الأول، نيته انتهاج سياسة خارجية تعيد تعريف دور واشنطن في العالم.
- ويقول الخبراء إن مستقبل النظام العالمي الذي تبلور على مدى العقود الثمانية الماضية في ظل هيمنة الولايات المتحدة إلى حد بعيد أصبح على المحك. وكان هذا النظام قائماً على التجارة الحرة وسيادة القانون واحترام السلامة الإقليمية. ولكن في عهد ترامب، الذي يحتقر المنظمات متعددة الأطراف وينظر في كثير من الأحيان إلى الشؤون العالمية من خلال منظور المطور العقاري السابق، فإن النظام العالمي يتعرض لاهتزازات قوية.
- وكان ترامب صريحًا في عدائه للاتحاد الأوروبي، الذي اعتبره خصمًا اقتصاديًا أكثر من كونه حليفًا استراتيجيًا، ولم يتردد في تهديد حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالانسحاب منه، متذرعًا بأن الدفاع عن أوروبا عبء مالي لا يجب أن تتحمله الولايات المتحدة. ولم يتوقف الأمر عند المجال العسكري، ففي يونيو 2017، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، في خطوة أكدت ازدرائه للتعاون الدولي بشأن القضايا البيئية، وهو القرار الذي سرعان ما ألغاه جو بايدن في أول يوم من رئاسته، لكن فور عودة ترامب وعقب تنصيبه بيوم واحد، أعلن مجددًا انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ.
- وفي خضم جائحة كوفيد-19، أعلن ترامب أن الولايات المتحدة ستنسحب من منظمة الصحة العالمية، التي اتهمها بتبرئة الصين من المسؤولية عن الجائحة. وكما في اتفاقيات باريس، انضمت إدارة بايدن على الفور إلى منظمة الصحة العالمية في يناير 2021. لكن ما هي إلا سنوات قليلة حتى عاد ترامب مرة أخرى ليعلن انسحاب واشنطن مجددًا من منظمة الصحة العالمية، تاركًا المنظمة في حالة استنفار لبحث سبل لتوفير النفقات بهدف سد الثغرة المالية التي سيخلفها الانسحاب الأمريكي. فبحسب المنظمة، بلغت مساهمة الولايات المتحدة نحو 988 مليون دولار في العام المالي 2024-2025، أي ما يعادل 14% من الميزانية الإجمالية للمنظمة البالغة 6.9 مليار دولار.
- وفي عام 2020، فرضت إدارة ترامب عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، ووضعت قيودًا على تأشيرات دخول موظفيها إلى الأراضي الأمريكية، في محاولة لمنعها من التحقيق في مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من قبل الجيش الأمريكي ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) وحركة طالبان في أفغانستان.
- وبعد عودته اليوم، استأنف ترامب استهدافه للمحكمة الجنائية الدولية، ليستخدم العقوبات ذاتها لحماية قادة الاحتلال الإسرائيلي المتهمين بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية في غزة. وخلال أقل من شهر من تنصيبه، وقّع ترامب أمرًا تنفيذيًا لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، وأعلن "حالة الطوارئ الوطنية للتعامل مع التهديد الذي تمثله جهود المحكمة"، بعد أن أصدرت مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن الإسرائيلي المقال يوآف غالانت، بسبب جرائمهم في الحرب الإسرائيلية على غزة.

- ومنذ ولايته الأولى، انسحب من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA)، مستبدلًا إياها باتفاقية الولايات المتحدة-المكسيك-كندا (USMCA)، كما خرج من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ (TPP). و انسحب أيضاً، من الاتفاق النووي الإيراني في 2018، دون تقديم أي بديل حقيقي، ثم أعاد فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، مما زاد من التوترات الدولية.
- وفيما يتعلق بإيران، يقول خبراء لفورين بوليسي، إن خطاب ترامب العدواني يُعدّ الدليل الأكيد على عدم رغبته في استخدام القوة العسكرية ضد النظام الإيراني. ولم تصمد مطالب الرئيس الأمريكي من إيران – تفكيك برنامجها النووي، وإنهاء دعم وكلائها، وتقليص قوتها الصاروخية بشكل كبير – أمام أول اتصال بين ويتكوف ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي.
- ويبدو الآن أن ترامب مستعد للموافقة على اتفاق يشبه إلى حد كبير الاتفاق الذي انتهكه في مايو 2018: خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). ربما يُعاد تسمية خطة العمل الشاملة المشتركة بخطة عمل ترامب الشاملة، ويُعلن أنها أعظم اتفاقية للحد من الأسلحة على الإطلاق. قد يكون هذا أمراً جيداً للسلام العالمي، ولكنه قد يُؤجل المشكلة ويمنح شريان حياة لنظام طهران.
رابعاً: إعادة رسم الخرائط وتصدير الخطاب التوسعي
- في ضربة أخرى لصورة واشنطن العالمية، يستخدم ترامب خطاباً توسعياً تجنبه الرؤساء الأمريكيين لفترة طويلة، وهو ما يقول محللون إن الصين ربما تستخدمه مبرراً إذا قررت غزو تايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي.
- وبأسلوب التاجر الصاخب، يصر ترامب على أن الولايات المتحدة "ستحصل" على جرينلاند، وهي جزيرة دنمركية شبه مستقلة. وأثار غضب كندا بقوله إنه لا مبرر لوجودها، ويجب أن تصبح جزءا من الولايات المتحدة.
- وهدد بالاستيلاء على قناة بنما، التي سُلمت إلى الدولة الواقعة في أمريكا الوسطى عام 1999. واقترح أن تسيطر واشنطن على غزة التي مزقتها الحرب، وأن تحول القطاع الفلسطيني إلى منتجع على طراز "الريفييرا".
- يقول المحللون لرويترز و"فورين بوليسي" إن ترامب ربما يسعى إلى إحياء هيكل عالمي على غرار الحرب الباردة، حيث تقسم القوى الكبرى مناطق النفوذ الجغرافية. ومع ذلك، فإنه لم يقدم أي تفاصيل عن الكيفية التي يمكن بها للولايات المتحدة الاستحواذ على المزيد من الأراضي، ويشير خبراء إلى أنه ربما يتخذ مواقف متطرفة أو مبالغا فيها أدوات للمساومة.
- لكن بعض البلدان تأخذه على محمل الجد. وقالت رئيسة وزراء الدنمارك مته فريدريكسن في مؤتمر صحفي عقد في جرينلاند أوائل أبريل نيسان "عندما تطالبون بالاستيلاء على جزء من أراضي مملكة الدنمارك، ونواجَه بضغوط وتهديدات من أقرب حلفائنا، فما الذي يمكننا أن نصدقه بشأن هذا البلد الذي نعجب به منذ سنوات طويلة؟".. وأضافت أن "الأمر يتعلق بالنظام العالمي الذي بنيناه معاً عبر الأطلسي على مر الأجيال".
هل يذهب ترامب بأمريكا إلى نقطة "اللاعودة"؟
- مع كل قرار جديد يتخذه ترامب، يتضح أن العالم يقترب أكثر من حافة الفوضى، فالرئيس الذي لا يعترف بالقواعد السياسية التقليدية يعيد رسم خريطة التحالفات والخصومات، دون أن يبالي بالعواقب بعيدة المدى. من إشعال الحروب التجارية، إلى تهديد الاستقرار في أمريكا اللاتينية، والتخلي عن حلفائه في الناتو، وحتى محاولات تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط بالقوة، أصبح واضحًا أن ولايته الثانية لن تكون سوى امتداد لمشروعه القائم على تفكيك النظام العالمي لمصلحة رؤية قومية متطرفة، ترى في القوة والابتزاز أدوات مشروعة لإعادة "عظمة أمريكا" على حساب الجميع.
- وما يثير قلق الخبراء الأمريكيين، هو أن الصين طرحت نفسها حلاً للدول التي تشعر بالتهديد من نهج ترامب التجاري، على الرغم من سجلها في الممارسات التي تتسم "بالجشع" في بعض الأحيان على المستوى الدولي، وتحاول أيضا ملء الفراغ الذي خلفته قرارات ترامب بتخفيض حجم المساعدات الإنسانية.
- وقال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم السابق في إدارات جمهورية وديمقراطية، إن الأوان لم يفت بعد بالنسبة لترامب لتغيير مساره في السياسة الخارجية، خاصة إذا بدأ يشعر بالضغط من رفاقه الجمهوريين الذين يشعرون بالقلق إزاء المخاطر الاقتصادية بينما يسعون للاحتفاظ بالسيطرة على الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.
- وإذا استمر ترامب على مساره، فربما يحاول الرئيس المقبل إعادة ترسيخ دور واشنطن كضامن للنظام العالمي، ولكن العقبات قد تكون هائلة. وقال ميلر، الباحث الكبير في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي بواشنطن: "ما يحدث لم يتجاوز بعد نقطة اللاعودة. لكن حجم الضرر الذي يلحق الآن بعلاقاتنا مع أصدقائنا، ومدى استفادة الخصوم منه، أمر لا يمكن حصره على الأرجح"، على حد تعبيره.
0 تعليق